فصل: ذِكْرُ مَا خَصَّ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَانَ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمَّتِهِ مِمَّا أَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ إِجَابَتَهُ إِذَا دَعَاهُمْ لِمَا يُحْيِيهِمْ.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ مَا خَصَّ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَانَ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمَّتِهِ مِمَّا أَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ إِجَابَتَهُ إِذَا دَعَاهُمْ لِمَا يُحْيِيهِمْ.

1570- حَدَّثنا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ: ثنا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أُبَيُّ»، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ أُبَيٌّ وَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ إِنَّ أُبَيًّا خَفَّفَ الصَّلَاةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ، وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ؟» قَالَ: يَا رَسُول اللهِ، كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: «أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] الْآيَةَ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُول اللهِ، لَا أَعُودُ.

.ذِكْرُ إِبَاحَةِ التَّحْمِيدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عِنْدَمَا يَرَى الْمُصَلِّي مَا يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِ شُكْرُ رَبِّهِ عَلَى ذَلِكَ:

1571- حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا عَفَّانُ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: ثنا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَمْ آتِ، فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ يَتَقَدَّمْ بِهِمْ، وَجَاءَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ صَفَّحُوا، وَجَعَلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ التَّسْبِيحَ لَا يُمْسِكُ عَنْهُ الْتَفَتَ فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنِ امْضِهْ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيْهَةً فَحَمِدَ اللهَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى، فَتَقَدَّمَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَكُونَ مَضَيْتَ؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَكُنْ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَ لِلنَّاسِ: «إِذَا نَابَكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ شَيْءٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّحِ النِّسَاءُ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوهٍ مِنَ السُّنَنِ، فَمِنْ ذَلِكَ نَهَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ عَنِ التَّصْفِيقِ فِي صَلَاتِهِمْ، وَعَلَى أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ لِلرِّجَالِ إِذَا نَابَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ شَيْءٌ أَنْ يُسَبِّحُوا، وَتُصَفِّقَ النِّسَاءُ. وَمِنْهَا إِسْقَاطُ الْإِعَادَةِ عَمَّنْ صَفَّقَ فِي الصَّلَاةِ، إِذْ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْإِعَادَةِ، وَهَذَا يُشْبِهُ ضَرْبَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، وَلَمْ يَأْمُرْ أُولَئِكَ بِالْإِعَادَةِ. وَمِنْهَا الرُّخْصَةُ فِي تَقَدُّمِ الْمُصَلِّي عَنْ مُصَلَّاهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِعَادَةُ صَلَاةٍ. وَمِنْهَا إِبَاحَةُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَمَا يَرَى الْمَرْءُ مَا يَجِبُ أَنْ يَحْمَدَ اللهَ عَلَيْهِ، إِذْ مَوْجُودٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَقَفَ هُنَيْهَةً يَحْمَدُ اللهَ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْهَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ الِالْتِفَاتَ لَا يُفْسِدُ صَلَاةَ الْمَرْءِ إِذَا لَمْ يَتَحَوَّلْ عَنِ الْقِبْلَةِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَخْبَارُ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الِالْتِفَاتِ إِلَّا عِنْدَ النَّازِلَةِ تَنْزِلُ، أَوْ عِنْدَ حَاجَةِ الْإِمَامِ إِلَى إِرْشَادِ الْمَأْمُومِينَ لِمَا يُصْلِحُهُمْ مِنْ أَمْرِ صَلَاتِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ. وَمِنْهَا إِبَاحَةُ الصَّلَاةِ بِإِمَامٍ بَعْدَ إِمَامٍ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّى أَبُو بَكْرٍ أَوَّلَهَا بِالْقَوْمِ، أَتَمُّوا بِرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنْ صَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ بِهِمْ بَعْضُهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ بِإِمَامَيْنِ، بِإِمَامٍ بَعْدَ إِمَامٍ.

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا وَهُوَ يُرِيدُ إِصْلَاحَ صَلَاتِهِ:

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا لِكَلَامِهِ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِصْلَاحَ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا، أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا يُرِيدُ بِهِ إِصْلَاحَ صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَمِمَّنْ هَذَا قَوْلُهُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: نَقُولُ حَتْمًا أَلَّا يَعْمِدَ أَحَدٌ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِأَنَّهُ فِيهَا، فَإِنْ فَعَلَ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ صَلَاةً غَيْرَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِمَّنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ فِي أَمْرِ عُذْرٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْإِمَامِ وَقَدْ جَهَرَ بِالصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ: إِنَّهَا الْعَصْرُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ نَظَرَ إِلَى غُلَامٍ يُرِيدُ أَنْ يَسْقُطَ فِي بِئْرٍ أَوْ مَكَانٍ فَصَاحَ بِهِ، أَوِ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، أَوِ انْتَهَرَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ قَدْ تَكَلَّمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ صَنَعَ فِي صَلَاتِهِ مِثْلَ مَا صَنَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ ذِي الْيَدَيْنِ حِينَ كَلَّمَ النَّاسَ وَكَلَّمُوهُ، قَالَ: أَرَى أَنْ يَصْنَعَ فِي ذَلِكَ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُخَالِفُ فِيمَنْ سَنَّ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا أَنْسَى لِأَسُنَّ، فَقَدْ سَنَّ فَأَرَى أَنْ يَبْنِيَ هُوَ وَمَنْ كَلَّمَهُ عَلَى مَا صَلَّوْا، وَلَا يَنْبِذُوا صَلَاتَهُمْ، وَلَا يُخَالِفُوا مَا صَنَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا الْإِمَامُ فَإِذَا تَكَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ نَفْسِهِ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ أَكْمَلَهَا، فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ إِذَا أَكْمَلَهَا، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ خَلْفَهُ فَإِنْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا أَنَّ إِمَامَهُمْ لَمْ يُكْمِلْ صَلَاتَهُ فَكَلَّمُوهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ صَلَاتِهِمْ، فَعَلَيْهِمُ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّ حَالَهُمْ خِلَافُ حَالِ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفَرَائِضَ قَدْ كَانَ يُزَادُ وَيُنْقَصُ مِنْهَا، وَيُنْقَلُونَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُسْتَيْقِنًا أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ فِي الصَّلَاةِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ قَصُرَتْ، وَلَيْسَتِ الْحَالُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ قَدْ تَنَاهَتْ، فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا وَرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيُّ فِيهِمْ، قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاهُمْ لِمَا يُحْيِيهِمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرْتُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى:
1572- فَحَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جِئْتُهُ قُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ، كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24] الْآيَةَ؟».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ بَعْدَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيبَ إِمَامًا يَدْعُوهُ بَعْدَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ عَلَى مَنْ أَجَابَ إِمَامَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ صَلَاتِهِ الْإِعَادَةُ.

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَاهِيًا:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُصَلِّي يَتَكَلَّمُ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا، أَوْ سَلَّمَ قَبْلَ يُكْمِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ سَاهِي. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ صَلَّى فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ وَبَنَى عَلَيْهَا وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصَابَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَفَعَلَ ذَلِكَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ.
1573- حَدَّثنا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: صَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ ذَاتَ لَيْلَةٍ الْمَغْرِبَ، قُلْتُ: وَحَضَرْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ فَقَامَ فَصَلَّى الثَّالِثَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ. قَالَ: فَدَخَلَ أَصْحَابٌ لَنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ لَهُ بَعْضَ ذَلِكَ، كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعِيبَ بِذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصَابَ وَأَصَابُوا.
1574- حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ وَأَتَمَّ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
1575- وَحَدَّثُونَا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَسَلَّمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَهَذَا قَوْلُ عَوَامِّ أَهْلِ الْفُتْيَا مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، مِنْهُمْ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ بَنَى عَلَى مَا مَضَى، وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ إِذَا تَكَلَّمَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا تَكَلَّمَ سَاهِيًا يَسْتَقْبِلُ صَلَاتَهُ. كَذَلِكَ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالنُّعْمَانُ وَأَصْحَابُهُ وَفَرَّقَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَكَلَّمَ سَاهِيًا، فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ إِعَادَةَ الصَّلَاةِ إِذَا تَكَلَّمَ سَاهِيًا، وَقَالُوا: يَبْنِي إِذَا سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْمَرْءُ عَامِدًا فِي صَلَاتِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي ثِنْتَيْنِ عَامِدًا، فِي أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْإِعَادَةَ، فَكَانَ قِيَاسُ مَذْهَبِهِمْ هَذَا إِذَا كَانَ السَّلَامُ مِنْ ثِنْتَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ عَامِدًا عِنْدَهُمْ، أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ سَاهِيًا مِثْلَ السَّلَامِ فِي ثِنْتَيْنِ سَاهِيًا وَقَدْ رَوِينَا عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، رَوِينَا عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى مَكْتُوبَةً، فَسَهَى، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: اسْتَأْنِفْ صَلَاةً أُخْرَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاحْتَجَّ الَّذِينَ قَالُوا: لَا إِعَادَةَ، عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ بِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ، وَأَمَّا مَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ مِنْ نَسْخِ الْكَلَامِ، فَإِنَّمَا نُسِخَ مِنْهُ عَمْدُ الْكَلَامِ، وَكَانَ النَّسْخُ بِمَكَّةَ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ مَقْدَمِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِ سِنِينَ أَوْ نَحْوِهَا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْكَلَامُ سَاهِيًا فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بِسَبِيلٍ. فَلَوْ أَنَّ إِمَامًا سَأَلَ النَّاسَ الْيَوْمَ وَهُوَ عِنْدَ نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهَا، بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ سَأَلَ أَصْحَابَهُ فَكَانُوا فِي السَّهْوِ مِثْلَهُ، فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُهُ، وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يُكْمِلُوا صَلَاتَهُمْ فَأَجَابُوا إِمَامَهُمْ، كَانُوا مُفْسِدِينَ لِصَلَاتِهِمْ وَعَلَيْهِمُ الْإِعَادَةَ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا بِحَضْرَةِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ مَنْ يُجِيبُ إِمَامَهُ الْيَوْمَ فِي بَابٍ قَبْلُ.

.مَسْأَلَةٌ:

قَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا سَبَّحَ الْمَرْءُ فِي صَلَاتِهِ أَوْ حَمِدَ اللهَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ ابْتِدَاءً، فَلَيْسَ بِكَلَامٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ جَوَابًا فَهُوَ كَلَامٌ، وَإِنْ وَطَّى عَلَى حَصَاةٍ فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، أَرَادَ بِذَلِكَ الْوَجَعَ فَهُوَ كَلَامٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا لَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ. وَقَالَ يَعْقُوبُ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا: لَيْسَ كَلَامًا. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الرَّجُلِ يُجِيبُ الرَّجُلَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ قَالَ: هَذَا كَلَامٌ، وَفِي قَوْلِ يَعْقُوبَ: لَا يَكُونُ كَلَامًا. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الَّذِي يَسْتَفْتِحُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: هَذَا كَلَامٌ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ فَتَحَ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ فِيمَا يَنُوبُهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ أَنْ يُسَبِّحَ الرِّجَالُ وَتُصَفِّقُ النِّسَاءُ.
1576- حَدَّثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» وَقَالَ بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي؛ لِيُفْهَمَ بِهِ مَكَانَ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
1577- حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: ثنا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُجَيٍّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: كَانَتْ لِي سَاعَةٌ مِنَ السَّحَرِ أَدْخُلُ فِيهَا عَلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ سَبَّحَ فَكَانَ ذَلِكَ إِذْنُهُ لِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ أَذِنَ لِي.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مَعَ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ، وَالتَّكْبِيرَ، وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ جَوَابًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُصَلِّي، مَعَ إِقْرَارِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ ابْتِدَاءً لَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ، طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَلَنْ يَجِدَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا سَبِيلًا، وَغَيْرُ جَائِزٍ إِبْطَالُ صَلَاةِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ذَكَرَ اللهَ فِيهَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا اشْتَكَى شَيْئًا، أَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، مَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَحُكِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ رَمَى فِي صَلَاتِهِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، إِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَشَبَّهَ مَالِكٌ بِرَجُلٍ عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ فَحَمِدَ اللهَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ سَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ إِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَإِنْ طَالَ مَسِيرُهُ، هَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فِيمَنْ سَافَرَ وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا سَارَ يَوْمًا ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: يُصَلِّي إِلَيْهِمَا رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إِنْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَذَكَرَهَا فِي الْعَصْرِ، قَالَ: يَمْضِي فِي الْعَصْرِ، ثُمَّ يُصَلِّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنَ الظُّهْرِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ طَالَ بِهِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءَهُ الَّذِي صَلَّى بِهِ تِلْكَ الصَّلَاةَ، هَكَذَا قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ إِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَصْرَهُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءَهُ، صَلَّى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى يَطُولَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِثْلَ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ فَيَرْجِعُ فَيَبْنِي وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ بِهِ أَعَادَ الصَّلَاةَ.